تعددت المعاناة في بلد كاليمن يعصف به نزاع مسلح منذ قرابة أربع سنوات لكن الأكثر فداحة أن تتجسد هذه المعاناة في شخص واحد .
يقول فائد : ” لا معنى لحياة تُرابط فيها عند بوابة مركز الغسيل الكلوي منذ تسعة أشهر لا تتلقى فيها خبر مفرح غير ذاك الذي يحمل لك مساعدة تجود بها على أفراد أسرتك لتسد رمقهم ”
فائد علي محمد (50) عاماً رب أسرة مكونة من عشرة أفراد غالبيتهم أطفال وزوجه ، بعد عمليات عدة لإخراج حصى الكلى يستيقظ فائد على إصابته بالفشل الكلوي ، يحاصره المرض والفقر وقلة ذات اليد ليس هذا وكفى بل تبدأ المعاناة ما أن يستيقظ فائد القادم من المخأ إلى تعز للعلاج وحصار آخر مضروب عليه ، إنه حصار مدينة بكاملها ” مدينة تعز ” محكماً طوقه على فائد كغيره من سكان المدينة لكنه الأشد فقراً ومعاناة ليجد نفسه نازحاً في المدينة هو الذي كان بغضون ساعة ونصف سفراً من تعز يجد نفسه بين أسرته في المخا بمبلغ (1000 ريال يمني) تكلفة نقل وتواصل بينما يحتاج حالياً إلى يومين كاملين ومبلغ مهول ، يقول فائد : ” أبكر مع أول خيط للفجر وأركب للتربة ومن التربة نعبر هيجة العبد ثم الشيخ ثم صلاح الدين وأصل هناك بعد المغرب ، أنام ثم أصحى اليوم الثاني فجراً وأواصل السفر لطور الباحة ثم خور عميرة ثم المندب وذو باب وأمشي الخط الساحلي كله وأصل عند أسرتي اليوم الثاني ليلا ” .
يومان من السفر بينما لزاماً على فائد المصاب بمرض الفشل الكلوي أن لا يتغيب عن جلسة الغسيل يومان في الأسبوع وهو ما يعني أن فترة مكوث فائد عند أسرته لن تتعدى اليوم الواحد ليعود راجعاً إلى تعز حيث مركز الغسيل الكلوي والذي أصبح منذ تسعة أشهر مهجع فائد الذي لا يغادره .
يقول فائد : ” لا أملك ما يغطي كلفة السفر الباهظة والتي تتجاوز العشرين ألف ” 50 دولار أمريكي ” بينما لو امتلكت هذا المبلغ فهو قادر على إعالة أسرتي لمدة خمسة عشر يوماً بوجبات بسيطة وهو ما دعاني للبقاء هنا في مستشفى الثورة في تعز منذ تسعة أشهر دون العودة لأسرتي “.
يفترش فائد كرتوناً متوسداً رصيف المستشفى ملتحفاً ظلال حائط المستشفى الباردة ولا شيء يوقظه سوى خيوط الشمس الأولى ليشد خطاه متجهاً نحو صرة فيها بعض من ملابسه ومن إحدى جيوبه يخرج كبسولات علاج الضغط ويفرغها في جوفه ومن ثم يتجه لمزاولة عمله .
لجأ فائد للعمل البسيط هذا والمؤقت ، نظراً لانتهاء موسم حصد السنابل ، ليوفر قوت يومه وهو بيع بعض الهند “شام” بعد تسخينها بحجار الفحم الذي يجمعهن فائد من إحدى المطاعم المجاورة وهو ما قد يكفيه لإعالة نفسه يوماً آخر وإلى أن يناديه أحدهم يطفى قائد نار الفحم مشعلاً نار أخرى في داخله إنها نار دخول مركز الغسيل ومزاولة الغسل بكل المخاوف التي يحملها ليس الخوف من الموت المنتظر كما يقول فائد بل الخوف من توقف ذاك النبأ الذي يخبره أن أسرته ما تزال على قيد الحياة والتي لم يعد يعرف عنها شيئاً ما أن فقد التواصل بهم بفقدان جواله.
فائد واحد من آلاف المرضى الذين عطل الحصار أملهم في العلاج نظراً لبعد المسافة ووعورة الطريق البديل وبُعدها ،وفي ختام حديثه يناشد فائد الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية بالنظر إلى حالته وأسرته والقيام بدورهم المسؤول .
فائد علي محمد ، مرض مزمن ، نزوح ، فقر ، حصار أنه ملخص أوجاع بلد بأكملها .
التعليقات :