” حالياً لا أستطيع الأكل بمفردي , لا أجيد الإمساك بكأس ماء ، أفكر أن أتحسس جرحي ثم أتذكر أن الجرح في يديَّ أصلاً وأني بلا كفين ”

يتحدث فيصل وكلما جفت حنجرته من هلع مشاعر سوف تصاحبه إلى ما لانهاية يزفر :

” اللهم لك الحمد ” .

فيصل محسن علي قاسم (40) عاماً أحد ضحايا حصار مدينة تعز اليمنية وإغلاق المنافذ الرابطة بينها وبين الجهة الشرقية منها ” الحوبان ” وأحد ضحايا سقوط قذيفة على حي صينة السكني وسط مدينة تعز .

القصة كما يرويها فيصل :

” تسكن عمتي في جبل صبر ومنذ فترة لا ترانا ولا نراها بسبب الحصار وبُعد المسافة التي كنا نقطعها في ما يقارب عشر دقائق والآن تحتاج إلى أربعة ساعات سفر وعلى طرق غير مضمونة لوعورتها بالإضافة إلى الكلفة المالية الباهظة لنا نحن كبسطاء كل ما نملكه هو قوت يومنا ، قبل فترة قريبة اشتد مرض عمتي فاتصلت بي للدخول إلى المدينة  لإسعافها كونها وحيدة هناك وأيضاً غالبية مستشفيات المدينة مغلقة منذ بداية الحرب خصوصاً في منطقتهم والمناطق القريبة منها , وصلت عندها الساعة 11 ظهراً بعد سفر امتد لساعات تحديداً في 17يوليو/تموز 2018 أخذتها وصعدنا السيارة  ، جلست في الخلف على بعد مقعد منها مفسحاً للمزيد من الركاب  ، فجأة شعرت بتخدر في يديّ ، ورأيتهما يذوبان ، ودم يسيل من مقاعد مختلفة في السيارة وسقوط قتيل في الشارع المقابل للسيارة التي نحن على متنها ” .

تم نقل الضحايا إلى مستشفى الثورة وهناك أدرك فيصل أن قذيفة سقطت على أحد المنازل في حي صينة السكني وأودت بحياة ثلاثة مدنيين أخرون من سكان المنزل وكان هو ضحية شظايا القذيفة المتطايرة و التي انتزعت من كفيه.

في المستشفى يقول فيصل أدركت أشياء كثيرة ، عمتي تقوم بممارضتي في الوقت الذي أتيت فيه لممارضتها ، أدركت أيضاً أن يديَّ لم تكونا لي وحدي بل  لسبع بنات أكبرهن بعمر 12 عاماً والصغرى لم تكمل شهرها الأول وأننا أصبحنا الآن جميعاً دون كفين فلم يعد بمقدوري القيام بأي عمل .

غادر فيصل المستشفى ولم يلتئم جرحه بعد لعدم قدرة أسرته وأطفاله على زيارته بسبب صعوبة التنقل وارتفاع تكاليف النقل بعد ثلاثة أعوام ونصف من الحصار وإغلاق كافة المنافذ الرئيسية التي تربط منطقة الحوبان بالمدينة، يقول فيصل :

“غادرت المستشفى عائداً للبيت عندما فكرت بزوجتي وبناتي السبع اللآتي لا يملكن تكلفة التنقل الباهظة ولا معيل لهن سواي وفي من سيدفع إيجار المنزل ، كنت أبذل كل ما في وسعي لإعالتهن كسائق لإحدى عربات نقل مواد البناء والحديد (بابور) , لكن الآن وأنا في المنزل أتساءل بأي مصير يفكرن به هؤلاء الصغيرات وأنا أناديهن لتقريب كأس الماء إلى فمي !؟ ” .

 

ملاحظة : غادر فيصل المستشفى، للأسباب التي ذكرها ،قبل يوم من ذهابنا في فريق رصد لزيارته ولم نجده .
الحصار المفروض على مدينة تعز وكون كافة المنافذ التي تربط شرق المدينة “الحوبان” بمركزها اضطرنا هذا إلى التواصل مع فيصل عبر الهاتف لأخذ قصته وطلب صورة خاصة له ارسلها لنا لاحقاً بعد التقاطها بعدسة الجوال الخاصة به.